في ساحة يلبو الرئيسية، تتنقل النساء بين محلات الخضار و«السمانة»، ويحاججن الباعة بالعربية. البضائع والمأكولات التي اعتدن شراءها في بلدانهن، كلها موجودة هنا. واللغة ليست عائقا، فأكثرية البضائع مكتوب عليها بالعربية. فصاحب أكبر محل «سمانة» في الساحة، الحاج زهير القادم من بيروت، يستورد الكثير من بضاعته من سورية ولبنان. ترك الحاج زهير لبنان منذ 18 عاما قادما الى السويد، وانتقل الى يلبو منذ نحو خمسة اعوام، لأنه اراد العيش بين الجاليات العربية. داخل مكتب صغير متواضع، جلس الحاج زهير سنو ينظر الى صورة لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري رفعها على احدى الخزانات أمامه. ويقول: «لا يمكنني التذمر من وضعي هنا، فلدي عملي الحمد لله، ومنزلي وعائلتي التي لا ينقصها شيء. ولكنني أحب ان اعود الى لبنان واعيش بين أصدقائي». مثل زهير، كثيرون في يلبو. ويشرح ان «سكان هذه المنطقة يعيشون في دولة مستقلة عن السويد لا تختلط بالسكان السويديين». ورغم انه تعلم اللغة السويدية عند وصوله الى البلاد منذ 18 عاما، الا انه نسيها بعد أن انتقل الى يلبو، حيث لا حاجة للتكلم بالسويدية مع سكان أغلبيتهم من العرب . يلبو هي جزء من «مشروع المليون» الذي نفذته الحكومة السويدية في منتصف الستينات لبناء مليون وحدة سكنية في انحاء البلاد بأسعار غير مرتفعة. وتحولت هذه المنطقة شيئا فشيئا عبر السنوات الى قطعة معزولة لا تشبه الا نفسها. السويديون انتقلوا منها تدريجياً مع ازدياد أعداد اللاجئين الذين وفدوا اليها، الى درجة بات السويديون في يلبو اليوم يشعرون بأنهم هم الأجانب، والأجانب هم المواطنون.
الا ان وجود اللاجئين وحده هو السبب الذي يدفع السويديين الى الابتعاد عن يلبو. منذ بناء المجمعات السكنية فيها والتي انتهى العمل فيها في منتصف السبعينات، لم تجذب المنطقة الكثير من السويديين الذين يعتبرون هندستها بشعة ومحبطة، مثلها مثل المناطق الأخرى التي شكلت جزءا من مشروع المليون الذي لاقى انتقادات واسعة. فالمجمعات أشبه بكتل اسمنتية بشعة مصفوفة الى جانب بعضها البعض، لتكون شققا سكنية. وعلى الرغم من وجود مساحات خضراء في هذه المجمعات، الا انها لا تظلل بشاعة العمران.
مازن صالح، عراقي تجاوز العقد الرابع من العمر. وصل الى يلبو منذ تسعة أشهر، بعد رحلة استمرت لعشرة ايام قضاها مختبئاً تحت غطاء في شاحنة كبيرة، يتناول البسكويت والماء. يروي مازن قائلا: «لي أصدقاء هنا، اتفقت معهم على ان آتي وأسكن معهم مؤقتا، في الوقت الذي أنتظر فيه الجواب على تقدمي بطلب للجوء. عندما وصلت سلمت نفسي للشرطة. استجوبتني الشرطة طوال يوم كامل، وقلت لهم انني اريد التقدم بطلب لجوء. والآن انا انتظر. اعيش على معونة اتلقاها من الدولة وامضي يومي من دون ان افعل الكثير».
حالة مازن ليست فريدة من نوعها. غالبية العراقيين الذين يصلون البلاد، يدخلونها سرا عن طريق المهربين، اما برا بالانتقال من بلد الى آخر عبر تركيا والمغرب، وصولاً لأوروبا، وإما في الطائرة عبر جواز سفر مزور.
وفي الإجمال، فإن غالبية الذين يدخلون البلاد سرا، يأتون للاقامة مع أقارب او أصدقاء. وهذا ما يفسر تكاثر سكان يلبو بصورة كبيرة يوماً بعد يوم، مع الوصول المتزايد لأشخاص ينتظرون الموافقة او الرفض على طلب اللجوء. وفي هذه الأثناء، تجدهم يتسكعون طوال اليوم من دون أن يفعلوا الكثير. بعضهم، يحضر صفوف تعلم اللغة السويدية التي تقدمها لهم المؤسسات الرسمية والخيرية مجانا. والبعض الآخر يفضل الجلوس والمشي طوال اليوم. يقول علي، القادم من العراق حيث كان يعمل حدادا: «أنا لا أعمل الان هنا، الكل عاطلون عن العمل. نقضي وقتنا بالتسكع. بعضنا يشارك في صفوف تعلم اللغة كي تصرف لنا تذكرة القطار. فاذا سجلنا حضورنا في المدرسة، نحصل على تذكرة القطار مجانا لشهر كامل، وهكذا يمكننا التوجه الى وسط المدينة والتنزه هناك قليلا».
أن يجد اللاجئون عملا في السويد، ليس بالأمر السهل، حتى ولو كانوا يحملون أوراق الاقامة الشرعية وحق العمل. اللغة تشكل عائقا اساسيا لدى شريحة كبرى منهم، ولدى البعض الآخر مجرد جنسيتهم قد تكون العائق. «أوبن سوسايتي انستيتوت»، وهي منظمة غير حكومية يمولها رجل الاعمال المليونير جورج سورس وتصدر تقارير دورية عن قضايا مختلفة داخل بلدان الاتحاد الاوروبي، أصدرت تقريرا العام الماضي عن أحوال المسلمين في السويد، علما بان المسلمين يشكلون العدد الاكبر من اللاجئين القادمين من بلدان من خارج الاتحاد الاوروبي. وتقول المنظمة في تقريرها استنادا الى احصاءات جمعتها من أطراف مختلفة، ان «الاشخاص الذين لديهم خلفية أجنبية، وخصوصا أولئك الذين يعيشون في أماكن أكثر فقرا، يواجهون امكانية البقاء عاطلين عن العمل أكثر من بقية السكان». وتضيف: «بما ان الاحتمال الأكبر هو ان يبقى الاجانب عاطلين عن العمل، او انهم سيعملون في مجالات لا تتناسب مع مستوى علمهم، فانه من الواضح ان الاشخاص غير المولودين في السويد ليسوا مندمجين في المجتمع». علي، الذي كان يعمل حدادا في العراق ويحمل الجنسية السويدية، مرّ على وجوده في البلاد اكثر من سبع سنوات، ويقول انه لا يجد عملا في غوتنبرغ حتى كسائق لسيارة اجرة. يريد الذهاب الى انكلترا ليجرب حظه هناك. قيل له انه «من الاسهل ايجاد عمل في لندن». وزير الاندماج والمساواة بين الجنسين السويدي نيامكو سابوني، يقول: «عدد غير مقبول من المهاجرين، مستبعدون في مجتمعنا. البطالة والدخل المنخفض والاعتماد على الرعاية الاجتماعية، كلها تؤدي الى العزلة. العمالة هي جزء مهم من الاندماج». ورغم ان الحكومة بدأت بتنفيذ خطة لدمج اللاجئين في المجتمع، الا انها تبدو بعيدة عن تحقيق هذا الهدف حتى الان. وبانتظار ذلك، يقضي عدد كبير من سكانها وقتهم بـ«الاندماج» مع بعضهم البعض. الا ان هذا الاندماج الداخلي، يؤدي أحيانا كثيرة الى نتائج سلبية وغالبا ما يترجم الاختلاف الثقافي بينهم الى مشاكل وحتى جرائم. في يلبو، يعيش وافدون يحملون جنسيات مختلفة. الى جانب العراقيين والاكراد واللبنانيين، تقطن شريحة كبيرة من الاتراك والايرانيين والصوماليين. وهنا، في هذه الدولة المستقلة، العزلة ليست المشكلة الوحيدة. فنسبة الجريمة المرتفعة نسبيا تشكل عازلا اضافيا لهذه المجموعات.